الجواب من دار الإفتاء المصرية:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه. وبعد، فرمضان شهر العبادة، وموسم من مواسم الطاعة عند المسلمين، وقد فضله الله تعالى بنزول القرآن فيه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فضله: (أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء، قالوا ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائمًا على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة و أوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له و أعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائمًا سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة).
فيستحب للمؤمن أن يستغل هذه الأيام المباركة، فيكثر فيها من العبادة والطاعة والذكر لله رب العالمين، وقراءة القرآن. وقد كان هذا حال سلفنا الصالح رضي الله عنهم، روى البيهقي في شعب الإيمان، أن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (كان يقرأ القرآن من الجمعة إلى الجمعة وفي رمضان يخمته في كل ثلاث).
فشهر رمضان له طابع خاص، فهو قائم على صيام النفس عن شهواتها، والتدريب على سيطرة العقل على رغباتها، وليس ذلك بالامتناع فقط عن الأكل، والشرب، والشهوة الجنسية، فذلك هو الحد الأدنى للصيام، لا يكتفي به إلا العامة الذين يعملون فقط لأجل النجاة من العقاب، مع القناعة بالقليل من الثواب، أما غيرهم فيحرصون على الكمال في كل العبادات، فيمسكون عن كل شهوات النفس، وبخاصة ما حرم الله، كالكذب والغيبة، ويسمو بعضهم في الكمال، فيصوم حتى عن الحلال، مقبلا على الطاعة في هذا الشهر بالذات، ليخرج منه صافى النفس والسلوك من الرذائل ، متحليًا بالفضائل.
فلا ينبغي أن نضيع فرصة هذا الشهر الذي يضاعف فيه ثواب الطاعة، بصيام نهاره، وقيام ليله بالتراويح وقراءة القرآن. وينبغي للمسلم أن يبتعد بنفسه عن ما يثير غريزته، ويقلب عليه شهوته، حتى لا يفسد صيامه؛ ومن المعينات على هذا غض البصر، وقد أمرنا الله تعالى به في القرآن الكريم رجالا ونساء، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) (3 ).
يقول الإمام الطبري رحمه الله: (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) أي: يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه. وقال القرطبي: قال قتادة: (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)، أي: عما لا يحل له). وقال تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن...) يقول الإمام البغوي رحمه الله: أي عما لا يحل لهن.
فلا يجوز نظر الرجل إلى عورة الرجل، إلا لضرورة: كالطبيب والخاتن. وكذلك لا يجوز للمرأة أن تنظر لعورة المرأة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد).
قال الشيخ العدوي في حاشيته على شرح الكفاية: خبر مقصود به نهي التحريم(9 ).قال النووي –رحمه الله-: (وإذا أراد الرجل خطبة امرأة جاز له النظر منها إلى ما ليس بعورة منها، وهو وجهها وكفاها بإذنها، وبغير إذنها، ولا يجوز له أن ينظر إلى ما هو عورة منها، وبه قال مالك وأبو حنيفة)
.
وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، وأما عورة المرأة فجميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وزاد بعضهم القدمين. فيجب ستر ذلك منها عن الرجال الأجانب، أما عورتها بين النساء والمحارم من الرجال كعورة الرجل من السرة إلى الركبة أيضًا.
هذا فيما يخص النظر، أما التلفاز، فهو جهاز أصله الكلمة الإنجليزية Television وهذه الكلمة من مقطعين المقطع الأول (Tele) وتعني عن بعد. والثاني (Vision) وتعني رؤية، والجهاز معناه جهاز الرؤية عن بعد، وهو تقنية في نقل صور الأحداث متحركة إلى المشاهد في بيته، سواء كانت هذه الصور مباشرة في وقت حدوثها، أو كانت مسجلة، ويذيع هذا الجهاز برامجه، وفقًا لسياسة إعلامية معينة إن كانت قناة حكومية تتبع الدولة، أو قناة خاصة، تختلف هذه السياسة من دولة لأخرى حسب معاييرها الثقافية والتزامها بالآداب العامة والأخلاق الإسلامية وعلى أي حال فإن هذه البرامج تتنوع بين البرامج الثقافية والدينية والترفيهية وإن كان يغلب عليها البرامج الترفيهية.
وقد زود جهاز التلفاز حديثا بجهاز استقبال للأقمار الصناعية وأصبح يستقبل العديد من القنوات الرقمية والتي تختلف هي أيضا فيما تقدمه فهناك قنوات دينية، وأخرى ثقافية، وأخرى للأطفال، وللأخبار، وللرياضة، وللمسلسلات، والأفلام، والأغاني وغير ذلك.
فالجهاز في نفسه لا حكم له، وإنما الحكم على ما يقدمه من برامج فإن اشتملت هذه البرامج على ما يثير الغرائز ويدعو إلى المحرم، أو فتنة المسلمين عن دينهم، والدعوة إلى الفسق والفجور والمسكرات وغير ذلك فلا يجوز مشاهدة هذه البرامج.
أما إن كان ما يقدمه هذا الجهاز من برامج دينية وثقافية ورياضية وبرامج للأطفال وغيرها ومسلسلات نظيفة بريئة، فلا حرج حينئذ من مشاهدتها.
هذا مع الأخذ في الاعتبار أن النظر إلى صورة الشيء ليست كالنظر لذات الشيء، وأن اعتبار حرمة المنظور إليه موجودة، ولا تستوي بمن أسقطت حرمتها، وليس هنا مجال تفصيل تلك الأحكام.
فوقوع المسلم في النظر المحرم ليس من المفطرات، وإنما هي معصية لا تليق بالمسلم سواء كان صائمًا أو غير صائم، وإنما يشتد الإنكار على الصائم؛ لأنه في حال يحسن به الابتعاد أكثر عن المعاصي. ولا يعني كون الشيء ليس من المفطرات أنه غير محرم، أو أنه يجوز فعله، فقتل النفس مثلا ليس من المفطرات وهو من الكبائر.
فالنظر المحرم معصية لا تنبغي للمسلم حيث يقلُّ بها أجر صيامه، ولا تنبغي له كذلك بعد إفطاره، وعلى المسلم أن يشغل نهار رمضان بالصيام وتلاوة القرآن والطاعات، وكذلك الأولى به أن يشغل ليله بالقيام والقرآن، ولا بأس بأن يروح عن نفسه بما أباح الله له.
والله تعالى أعلى وأعلم.